ساحل السنديان على الفيسبوك

السبت، 6 أغسطس 2016

وديع اسمندر الغائب الحاضر اللذي لا ينسى

« لم يمت الصديق الكاتب والروائي السوري «وديع اسمندر»من سرطان رئتيه المدخنتين، بل على الأغلب، من النفخ المتواصل بنايات حزنه على دمار هذا العالم». وديع اسمندر كتاب مفتوح على صفحات عديدة تؤرخ لجيل كامل عاش معادلة بسيطة وشديدة الوعورة «الحلم والخيبة» وظل وفياً لنقص الأمل، يدعمه بما تيسر من التضحيات، وبمخزون الأريافيين الفكاهي الذي يسخر ويحزن على خدّ بارد واحد.
كان وديع وديعاً، وشرساً أيضاً. في الكتابة يفضح، وفي الخصومات المتخندقة على طريقة السوريين لم يكن يجرح.
دفع ثمن كلمة «لا» نفس الثمن الذي دفعه ثمن كلمة «نعم». ففي الثمانينات اعتقل لمدة خمس سنوات لكي يدل على مكان «رياض الترك» الشيوعي العتيق.
وبعد أسبوع عرف السجانون مكان المطلوب رياض الترك، واعتقلوه، ولكن وديع اسمندر بقي في السجن عقوبة صمته.
كان وديع صاحب حكاية في كل شيء، حديثه حكايات وحياته حكايات، وشخصياته مزخرفة بمجرد أن تصل إلى عدساته المكبّرة.
كان حكيماً ساخراً أيضاً:
«الحياة تشبه الحمار القبرصي، لكي تسيطر عليه يجب ألا تنزل عن ظهره أبداً». تخيّل!… في الحياة على قمة جبل، تصبح ناسكاً، وفي الحياة على ظهر حمار ماذا ستكون؟ يضحك.
وهكذا من ضحكة ساخرة، إلى حكمة بائرة…ومن سجن الأمل إلى حروب اليأس، ومن سلام الأصدقاء إلى ذهابهم «كلّ في طريق»…
أمضى وديع الفترة التي غادر فيها دمشق إلى مدينته على البحر»جبلة». وعاش هناك في تجربة أخرى… ربما كانت عزلته فيها قد زادت في شهيته الضارية للتدخين.
حين يصور وديع المسافات والأزمنة، يرتكب كل أنواع الأمل.
فينتصر على إسرائيل في الخيال، ويكسر خوابي نبيذ الطبقات الفاسدة، ويقيم مملكة للفقراء، وهكذا، وبضلال محبب، ذات يوم ورّطنا في مسيرة صيد بري من مدينة «حماة» إلى «مصياف» على أساس أن المسافة بضعة كيلومترات.
وديع، بسبب نزقه، ومعرفته بجدوى الكلمات والثقافات لم يكترث بالنشر، ولا بالبحث عن مكان يصنّفه وينصفه. وفي الحقيقة كان وديع الشفوي أكثر مهارة من وديع الكتابي، ولعلّي هنا أرى العمق البحري لعينيه الزرقاوين، ونحن نفقده ونفتقده… حين يتكلم تصبح المسافة بين حديثه والواقع…رحلة من المتعة، ونهايتها الممتعة…يكفي أن يقول لك أنه مولود في أوراق ثبوتية تخص أخاه الميت، واسمه وديع.
لم يسجله أحد، أخذ تاريخ ميلاد الأخ واسمه ومضى في هذا التيه، الذي اسمه الحياة في سورية. إن وديع، بكامل حضوره البهي، ما هو إلا «بدل ضائع».لكنه شخص حاضر لا ينسى.

عادل محمود - جريدة عمان

0 التعليقات:

إرسال تعليق